النباء اليقين

صمود وإباء الشهيد علي محمد الكبسي

بقلم / حمزة الكبسي1531533_795769410504891_5664771098123248289_n

لم أدرِ من أين أبدأ لأخبرهم عنك يا علي.. عن عظمتك، عن إخلاصك، عن بشاشتك، والبسمة المرسومة على وجهك دائماً ً، بما أن الكلام سيطول أعذرني يا سيدي إن اقتصرت سيرتك في سطورٍ معدودة.. علي محمد عبداللاه أحمد الكبسي ثلاثة وعشرون عاماً.. مهندس نفط “مستوى خامس” بالرغم من صغر سنه إلا أنه كان أبٌ للبيت بأكمله لطالما حكى لي عن رغبته في أن نعيش في بيت واحد بعد أن نكبر وأن لا ننفصل نحن_الأخوة_ عن بعض ويكون لدينا الكثير من الأبناء وأن نساعد بعضنا بعضا لمرات عديدة. كان ينظر للمستقبل بشوق ولهفة، بطموحٍ لا محدود وما إن بدأ العدوان الهمجي على بلادنا إتفقنا نحن_الإخوة_ علي، وعبداللاه، وحمزة على الإنطلاق إلى جبهات القتال للذود عن أرضنا وعرضنا. ذهبنا سويةً إلى جبهة عدن وعبداللاه توجه نحو جبهة الحدود.. كان ينظر للخراب الذي لحق بمدينة عدن ويتألم، قال لي في أحد المرات: “والله اني بين ابسر الخراب واقتهر حتى الرصيف، بين احسي الأرض هذه قطعة مني هذه بلااادنا بلادنا “. ظللنا هناك لمدة شهرين وبضعة أيام وطوال هذه الأيام وهو يخبرني بأن آيات الله ستتجلى في يوم النصف من شعبان وأن النصر سيأتي فيها، أتى يوم النصف من شعبان..، وأيقظني من نومي قبل الفجر للإستغفار حينها ومسبحته في يده، ذهبت إلى البئر وأحضرت لنا ماء للوضوء وصلينا الفجر، وظل يسبح الله ويقرأ القرآن حتى أشرقت الشمس كعادته.. استلمت دوريتي وهو ذهب للنوم، وفي ذلك اليوم ظللت أنظر إليه طيلة الوقت لمدة طويلة وكأنني عرفت أنه يوم الفراق حتى أتى إلي أحد المجاهدين ليخبرنا بضرورة التحرك وأن التوجيهات صدرت بالهجوم على أحد مواقع المرتزقة وبالمضي قدُماً قدماً .. أيقظته من النوم ولم يتسنى لنا الوقت لنصلي الظهر أو حتى لنجمع أغراضنا وأكلنا، كنت أنظر إليه وهو يذكر الله ويستغفر وينظر إلي بنظرات غريبة وعيناه تخبرني بالوداع. صعدنا على متن الطقوم وكان الكل صامت ومشغول بذكر الله والإستغفار والتسبيح حتى بدأ أخي علي “يزومل” يردد أناشيد وأغاني حماسية ووطنية وبدأنا جميعاً بترديدها معه والقذائف تتهاوى من أمامنا والمضادات النارية والصواريخ تطلق علينا ونحن نردد الزوامل بحماس ولا وجود لنسبة ولو ضئيلة من الخوف.. ببساطة.. كنا نعي ماهية جهادنا وغايته وأنه من أجل الله والوطن والعرض والثورة وكانت الشهادة هي هدفنا الأسمى سواءً أتى النصر أم لم يأتِ ِ. تقدمنا لعشرات الكيلومترات.. وصرنا على أطراف مدينة البريقة، قمنا بالإنتشار ولم يَسْمَح لي بأن أفارقهُ فلطالما كان لي الأب والأم بل والله ما هو أعظم من ذلك. بدأت طائرات العدوان تستهدفنا بشكل هستيري ودباباتهم ومدرعاتهم تتقدم صوبنا ونحن نواجههم بسلاحنا الخفيف جعل الله البأس الشديد في سلاحنا حتى كنا نخرج المرتزقة من على ظهور دباباتهم بواسطته بالرغم من هزالته لكن ما دمنا مع الله كان الله معنا. أتذكر لحظة استهداف متارسنا بالدبابات وكأنها بردٌ وسلام ونحن نضحك في متارسنا ونريهم بعضاً من بأس الله، كنا نسمع عويلهم وبكائهم إلينا وتهاويهم واحداً تلو الآخر، إذا ما ارتقت روح واحدٍ منا سقط منهم عشرة، كثر القصف وأصابت أحد قذائف الدبابات مترس أخي علي وذهبت بمعظم المترس ولكنه نجا ونظر إلي وقد اقتطع نفسه من قوة الضربة وقربها وقال لي وهو يضحك ” كانت القذيفة عتشلني”. كان بارعاً في القنص وكان يستطيع رؤيتهم بالرغم من المسافة الكبيرة وتخفيهم المستمر ويصيبهم إصابات قاتلة.. بدأت المأونة “المونه” بالنفاد واحتجنا للإسناد وبينما فرق الإسناد تتقدم قام علي بالتغطية عليهم حال دخولهم وبعد أن غطى عليهم حاول العودة لمترسه.. ولكنه أصيب بطلقٍ ناري في الرأس .. بعدما أصيب قمت بالتغطية على مكان الإصابة وإعطائه الإسعافات الأولية اللازمة فاجأني حينها بإدخال يده إلى جعبته وأعطاني ما تبقى من ذخيرته ولسان حاله يقول :” اصمد.. وقاتلهم ولا تخف “. عندما وصلت فرق الإسناد احتضنته لأنقله إلى المستشفى الميداني وظل يعاني من إصابته لمدة بسيطة ولكن قبل أن نصل للمستشفى كان الله قد اصطفاه إليه شهيداً .. لحظتها علمتُ بأن النصر الذي ظل يخبرني بقدومه في النصف من شعبان هو إرتقاؤه شهيداً .. فلتكمل أحلامك وطموحاتك عند أرحم الراحمين يا علي، وأعلم بأنك أنت وأمثالك من الشهداء فخرٌ لنا ولأمتنا ولوطننا. فهذه الدنيا لا محالة إلا زوال، ولتبقى أنت ورفقاؤك من الأنبياء والصديقين ًوالشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، ولا تبخل علينا يا سيدي بالسلام على جدنا رسول الله وأمير المؤمنين وأمنا الزهراء. أنتم السابقون ونحن بإذن الله اللاحقون.