النباء اليقين

منسيون

الهدهد / مقالات

بقلم / علي ظافر

تفرِضُ الحربُ نفسَها على اهتمامات الناس، فيغرقون في متابعة تفاصيل الحرب ومجرياتها العسكريّة، ويغرق الساسة والصحفيون في السياسة، وخبراء الاقتصاد في مجالهم يراقبون العُملة صعوداً وهبوطاً والإعلام يراقب الجميع وينقل ما يقع أمامه فقط كمرآة.

 

في ظل زحمة الاهتمامات والانشغالات يبقى المسحوقون لوحدِهم تطحنُهم رحى الحرب والسياسة والغلاء المعيشي وتنهش أجسادَهم الأوبئةُ والأمراضُ، وكل ذلك؛ بسببِ العدوان لا ننكِرُ، لكننا أيضاً كيمنيين دولةً وشعباً نتحمَّلُ جزءاً من المسؤولية ولا يمكن أن نغفرَ لأنفسنا ونُبقي هذه الطبقة من أهل الفقر والمَسْكَنَة خارج سُلَّمِ اهتماماتنا وأولوياتنا.

 

لا أدعو هنا لأن تتخلَّى كُـلُّ جهة عن اهتماماتها لا. بل أدعو إلى تكريسِ الإحسان والاهتمام بالفقراء كأولوية ملحة وكواجب ديني وإنْسَاني في المقام الأول لما لذلك من أثر على نفوس الفقراء والمساكين على المستوى الخاص؛ ولما لذلك من أهميّة كبرى على مستوى تماسك الجبهة الداخلية في ظل حرب مجنونة وعدوان أتى على كُـلّ شيء وأكل الأخضر واليابس.

 

لستُ فقيهاً ولا متفقهاً، لكن بعض الأمور تدفعني لأَنْ أشاركَ أهلَ الاختصاص اختصاصَهم غيرَ منتقصٍ من خبراتهم وجهودهم مطلقاً.

 

ما لفتني مؤخراً الاهتمامُ الملموسُ من قبل الهيئة العامة للزكاة مشكورة في النظر إلى المعسرين (الغارمين) وإنقاذهم من ظلمات السجون بعد أن مكثوا فيها لسنواتٍ مثقلين بالديون وعاجزين عن سدادها، فأتت الهيئةُ لاستنقاذهم ودفع ما عليهم لينعموا مع أهاليهم وينعمَ أهاليهم بالعيش معهم حتى لا يقضوا سني عمرهم داخل السجون، وتلك خطوةٌ مهمةٌ ولها أثرُها الكبير في التخفيف عن المديونين أنفسهم وعن أسرهم، لكن باعتقادي وأنا لست متفقهاً كما أسلفت أن هناك أولويات في مسألة الإنفاق وصرف الزكاة، وذلك واضحٌ بيّن في كتاب الله الذي فرّق بين مسألتين يخلُطُ الكثيرُ فيها، وهما الإنفاق والزكاة.

 

ثمة أولويةٌ تتعلقُ بالإنفاق ودعم الفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض، ومن ذلك المرابطين في الجبهات، نُعينُهم حتى لا يبقوا منشغلين بوضع أسرهم، حتى نساعدَهم على الصمود، ودفع الأخطار والتحديات عن شعبٍ بأكمله.

 

أمَّا مَا يتعلقُ بالزكاة فقد تُنفَقُ في مصارفَ يرى فيها القائمون أولويةً، وقد يغيبُ عنهم سهواً لا عمداً فقراءُ في هذه المحافظة أَوْ تلك في هذه المديرية أَوْ تلك في هذه القرية النائية أَوْ تلك، فيرى الفقر أنفسهم منسيين وغائبين من قائمة اهتمام المعنيين وولاة الأمر، وقد يصل الحد إلى أن يتهم هؤلاء الفقراء ولاة الأمر والمعنيين بجمع الزكاة بمصادرة حقوقهم الشرعية والتسلط عليهم فيولد لديهم الشعورُ “بالغبن” و”العُزلة الاجتماعية”، وهذا الأمر ليس صحياً بل سيؤثر حتى بالمقاييس المادية والدنيوية في تماسك الجبهة الداخلية التي يشكلها عادةَ هؤلاءِ العامةُ الذين أَكْثَــرُهم فقراء.

 

ولأهميّة هذه المسألة، نلحظ مدى اهتمام قائدِ الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- في معظم خطاباته إنْ لم يكن فيها كلها أنه يشدّد دائماً على هذه المسألة ويدعو للاهتمام بالفقراء والمساكين والنازحين والمتضررين من ويلات العدوان والحصار.

 

لا ننكرُ عظيمَ الجهود التي تبذُلُها الجهاتُ المعنية تجاه الفقراء والمساكين، ومؤخّراً ما قامت به الهيئة العامة للزكاة من جهود مشكورة وملموسة للتخفيف عن (الغارمين) الذين أثقلتهم الديونُ وكبّلتهم داخل السجون لسنوات طوال، لكن لفتني وأنا أقرأ نشرةَ الأخبار حالةُ البؤس والحرمان التي يعيشُها سكانُ مديرية أسلم في حجّة الذين ينهشُهم الفقرُ والمرضُ وسوءُ التغذية في مشهد يعصرُ القلبَ بالألم، ويفتِّتُ الصخرَ الأصمَّ، وهذا ما دعاني لكتابة هذا المقال.