النباء اليقين

معركة الحديدة تشتد.. وغريفيث يبحث مساعي السلام

الهدهد-متابعات

في الوقت الذي اشتدت المعارك بين القوات اليمنية المشتركة وقوى العدوان السعودي الاماراتي ومرتزقتها في محيط مدينة الحديدة اليمنية، رغم مزاعم تحالف العدوان “خفض وتيرة أعمال العنف” في اليمن، يواصل مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، مساعيه لاستئناف العملية السياسية.

 

زعم مصدر في تحالف العدوان السعودي الاماراتي أن المعارك الأخيرة في الحديدة غربي اليمن، ليست “عمليات هجومية” لدخول المدينة والسيطرة على مينائها، وأن السعودية والإمارات “ملتزمتان إبقاء ميناء الحديدة مفتوحاً”. وجاء هذا “التوضيح” بعدما فشلت الميليشيات المدعومة إماراتياً، على مدار 4 أيام (منذ فجر الجمعة الماضي)، في قطع خطوط إمداد الجيش اليمني واللجان الشعبية من صنعاء إلى الحديدة، أو في السيطرة على مواقع داخل المدينة.

 

وعمدت وسائل الإعلام الموالية للرياض وأبو ظبي، خلال الساعات الماضية، إلى الترويج لـ”انتصارات كبيرة” على جبهة الحديدة، مُتحدثة عن قرب تطويق المدينة من جميع الجهات، ومُدعيةً السيطرة على كلية الهندسة في جامعة الحديدة وعلى مدينة الصالح في مديرية الحالي.

 

الى ذلك استمرت المواجهات في شرق الحديدة وفي جنوب شرقها، وسط غارات مكثفة لطيران التحالف السعودي الاماراتي وقصف مدفعي من المرتزقة الموالين له أدى إلى استشهاد وإصابة عدد من المدنيين اليمنيين. وأفادت مصادر ميدانية بتواصل المعارك العنيفة في شرق شارع الخمسين، وصولاً إلى محيط مدينة الصالح، نافية في الوقت نفسه حدوث تقدم للميليشيات المدعومة إماراتياً أو تمكّنها من تحقيق سيطرة ثابتة في أيّ من محاور المواجهات.

 

وأكّد المتحدث باسم اللجان الشعبية يحيى سريع، الذي أعلن “إفشال هجمات للعدو على منطقة كيلو 16 من ثلاثة مسارات”، جازماً بأن المهاجمين “لم يستطيعوا إحراز أي تقدم”. وأشار إلى تكبيد مرتزقة العدوان “خسائر كبيرة” بلغت “30 قتيلاً، و50 جريحاً”، فضلاً عن “تدمير 13 مدرعة وآلية عسكرية”.

 

وحذّر سريع “قوى العدوان ومرتزقته من مغبة الاستمرار في توهّم إمكانية إحراز تقدم أو نجاح ميداني يحفظ ماء الوجه، لأنهم بذلك يسوقون جحافلهم إلى محارق الموت والهلاك الحتمي”.

 

وكان عضو وفد صنعاء التفاوضي، عبد الملك العجري، قد رأى في ما يحدث من قبل قوى العدوان ومرتزقته “تهوّراً غبياً يثبت حجم الضغط من أسيادهم لتحقيق شيء”، فيما أكد رئيس الوفد محمد عبد السلام، أن “التحالف المأزوم عاجز عن تحقيق أي تقدم يذكر، لا في الحديدة ولا في غيرها”.

 

هذا العجز حاول تحالف العدوان التغطية عليه بنفيه الطابع الهجومي للعمليات المتجددة في الحديدة، على رغم مشاركته المُكثّفة في مساندة العمليات التي أعلنَتها رسمياً سابقاً قيادة مرتزقة العدوان. تمويه يتجلّى، كذلك، في خروج السعودية والإمارات عن صمتهما عن الدعوات المتزايدة إلى وقف إطلاق النار؛ إذ أكد مصدر في التحالف السعودي الاماراتي أن الأخير “ملتزم خفض وتيرة أعمال العنف… ويدعم بشدة العملية السياسية التي يقودها مبعوث الأمم المتحدة”، مضيفاً: “ملتزمون إنهاء الصراع في أسرع وقت ممكن”. جاء ذلك تجاوباً مع دعوة وزيرَي دفاع الولايات المتحدة وخارجيتها، جيمس ماتيس ومايك بومبيو، إلى تعليق الأعمال القتالية والعودة إلى الحوار خلال 30 يوماً.

 

وهي دعوة عزّزها، الرئيس الأميركي بوصفه اليمن بأنه “المكان الأكثر فظاعة على وجه الأرض”، وتحميله السعوديين مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع هناك.

 

وجاءت هذه التطورات، بعد إعلان مبعوث الأمم المتّحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، أنّه “سيعمل على عقد مفاوضات جديدة بين أطراف النزاع في غضون شهر”، وذلك بعيد مطالبة واشنطن بـ”وقف لإطلاق النار وإعادة إطلاق المسار السياسي خلال 30 يوماً”.

 

من جهته، قال رئيس اللجنة الثورية العليا في حركة أنصار الله، محمد علي الحوثي، إن “التصعيد العسكري لتحالف العدوان محاولة حثيثة لعرقلة أي محادثات تهدف إلى وقف الحرب وإحلال السلام”. وأضاف في بيان أن “التصعيد دليل على زيف التصريحات الأميركية”، داعياً الى “الصمود والمواجهة”.

 

ودعت بريطانيا، مجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ إجراء لوقف الحرب في اليمن. وقال وزير الخارجية، جيريمي هانت، في بيان: “الآن، وللمرة الأولى، يبدو أن هناك نافذة يمكن من خلالها تشجيع طرفي الحرب على القدوم إلى طاولة المفاوضات، ووقف القتال”.

 

وأضاف أن “إيجاد حل سياسي هو الطريق الوحيد للخروج من هذه الكارثة. ستستخدم المملكة المتحدة كل نفوذها للدفع بمثل هذا النهج”. وتابع بأنّ “الوقت حان للمملكة المتحدة لأن تناقش مع شركائها في مجلس الأمن كيف يمكن الدفع قدماً بهذه العملية”. وقال هانت: “التقيت بالمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث الثلاثاء، وتبيّن أنّ هناك فرصة ضئيلة، لكنّها حقيقية لوقف الأعمال القتالية من أجل تخفيف معاناة الشعب اليمني”. ثم أردف قائلاً: “يجب أن يكون هذا أولوية ضمن أي مساعٍ تهدف إلى إيجاد حل بعيد المدى”.

 

وباءت آخر محاولة قام بها غريفيث لتنظيم محادثات سلام في سبتمبر الماضي في جنيف، بالفشل بعد غياب أنصار الله بسبب منع السعودية مغادر طائرة وفد صنعاء من مغادرة اليمن.

 

وعقد غريفيث اجتماعا تشاوريا مع مجموعة من الشخصيات اليمنية المستقلة التي تمثل طيفا واسعا من المجتمع اليمني، لمناقشة الوضع الحالي في اليمن، ومساعيه لاستئناف العملية السياسية. وقال المبعوث الخاص في بيان إنه ناقش مع المشاركين جهوده المستمرة لإحراز تقدم بشأن تدابير بناء الثقة، واستئناف العملية السياسية على وجه السرعة. وتناول النقاش “مجموعة من القضايا، من ضمنها تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وغياب الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى الخطوات اللازمة لتهدئة الصراع في اليمن”.

 

في سياق متصل، أعربت منظمة “سيف ذي تشيلدرن” (أنقذوا الأطفال)، عن “قلقها الشديد” من القتال في الحديدة قبيل إجراء “محادثات سلام”، داعية إلى “وقف فوري لإطلاق النار”. وقال مدير اليمن في المنظمة، تامر كيرولوس، في بيان، إنّ “هذا التصعيد الخطير على أهم مدينة وميناء في اليمن قد يضع عشرات آلاف الأطفال في خط النار ويزيد من تضييق الخناق على إيصال الغذاء والدواء إلى بلد نقدّر أن الجوع الشديد والمرض فيه يقتلان ما معدله 100 طفل يومياً”.

 

انتظرت السعودية والإمارات خمسة أيام للرد على دعوة إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى وقف الحرب في اليمن؛ ربما حتى لا تظهرا بمظهر المُنفّذ للأوامر. خلال تلك الأيام، حاولتا تحصيل مكسب على جبهة الساحل الغربي يجعل الجلوس إلى طاولة التفاوض أقلّ وطأة، لكنهما عجزتا، فخرجتا لتقولا إن ما تشهده الجبهة المذكورة ليس هجوماً جديداً على مدينة الحديدة. ادعاء أرادت من ورائه الدولتان التغطية على الفشل المتجدد عند تخوم المدينة، مثلما موّهتا التجاوب مع الدعوة الترامبية بتأخير التعليق، إلا أن الرسالة وصلت: الرياض وأبو ظبي مستعدتان لإنهاء القتال، في إعلان من شأنه تعزيز الطابع الجدي للمبادرة الأميركية، والذي أضاف إليه ترامب عنصراً جديداً بتوجيهه انتقادات علنية إلى التحالف السعودي الاماراتي.