النباء اليقين

مأساة مسلمي ميانمار بالصور

نشرت قناة العالم الفضائية تقريرا عن معاناة مسلمي ميانمار في بورما وكذلك في مخيمات بنغلادش وقد عزز مراسلنا تقريره بالصور التي تعكس جزءا يسيرا من تلك الالام والمآسي.

 

إقترب الشرف الإنساني من حافة الهاوية:
ننزل من السيارة. تصدمنا الصور التي نراها امامنا،أقول لأحد مرافقينا: هنا آخِر العالم.نمشي بين الناس ،أودّ أن أجلس في زاوية و لكن نواصل طريقنا و عندما ننظر إلى أي طرف من أطرافنا تبدو الأوضاع أسوأ من قبل.
أوجز تقرير سفرنا إلى بنغلاديش ووصولنا إلى مخيم اللاجئين المسلمين في عبارات قصيرة: صوت الأبواق المتواصل،ازدحام دراجات ثلاثية العجلات القديمة،الجو الرطب في درجة عالية،حشود من الناس، شوراع تشبه الأطلال،قوارب خشبية،توابل محلية حارة.

(١)
و الروهينغا…
بدأت رحلتنا من مدينة “كاكس بازار”،جنوب شرقي بنغلاديش،إلى مخيمات اللاجئين المسلمين الميانماريين مع عدد من أصحاب الهلال الأحمر و وزارة الشؤون الخارجية. و بعد ساعة من قيادة السيارة في هامش خليج البنغال وصلنا إلى بداية طريق جانبي. البحر للبنغلايين يعني الأنهار و أهوار المدينة و لكن أكبر بقليل.
رجال القوات العسكرية واقفون عند مدخل الطريق،بالأسلحة و وجوههم عابسة و جديّون، عددهم قليل و لكن موجودون في نقاط مختلفة بصفة عشوائية.
نعبر طابور القوات العسكرية،الجوالات بدون هوائي. لا يريد الجيش أن يربط شخصا من هذه المنطقة إلى خارجها بسهولة.

(٢)

صف سيارات البعثة الإيرانية لافتٌ للنظر،أكثر من وقت الذي كنا نعبر المدينة. نعبر المغازات الأخيرة: المغازة هنا تعني غرفة صغيرة، 5_6 أمتار بسقف قصير و دون إضاءة… يبيع أصحاب المغازات الماء و الفواكه المحلية.
حركتنا بالسيارة تطول نصف الساعة،الطريق في الغابة و رطب. زجاجة سيارتنا مبللة و قد انخفضت صوت أبواق السيارات الآن و لا توجد شاحنة و لا دراجة ثلاثية العجلات.لم نعد نسمع الأغنية البنغالية من آلة التسجيل القديمة.

(٣)

شيئاً فشيئاً نشاهد أناس الذين قد جلسوا بجانب الطريق،كل 3 حتى5 أشخاص معاً مكسوري الجناح و عيونهم قلقة  و منتظرة.
يزداد عددهم واحدا تلو آخر.يقول السائق: إنهم اللاجئون الذين أوصلوا أنفسهم إلى جانب الطريق.
نحن،كأننا اكتشفنا كشفا جديدا،نحاول أن ننظر إليهم من جديد.بعد دقائق يجتمع الناس حول سيارتنا و نحن كنا وسط اللاجئين الميانماريين المسلمين،مئة شخص تقريبا و كان معظمهم أطفال و نساء.بعيون ملتمسة و منتظرة… كل سيارة بمعنى أمل جديد، ربما علبة طعام أو قارورة ماء!

 

 

 

 

(٤)
في لقطة بعيدة (long shot) نرى كثيرا من الشباب و الرجال واقفون بجانب المسير أو فوق تلٍ  أو بجانب الأشجار،الرجال أكثر فخرا أو ربّما أكثر يأسا!
نواصل الطريق و نُقبل و الأناس المجتمعون حول السيارة يأتون معنا بضعة أمتار ثم يأخذ مكانهم أشخاص آخرون.
على بعد 500 متر هناك شاحنة و توزّع علب بين الناس.على الشاحنة مُلتصقٌ بكلمات بنغالية،يشرح السائق أن هذه الشاحنة مساعدة أحد نواب البارلمان البنغالي، حولها 200-300 شخص بأيدٍ التي مدَت (كل شخص حسب قدرته) و الأطفال واقفون على أصابع أقدامهم. هنا إن كنت طويل القامة ترى يديك قصيرتين و ماذا سيحدث لطفل يوصل وجهه إلى شباك السيارة بصعوبة؟!!
(٥)
نُقبل و نرى مكان وسيع ما يُسَمى بمخيم اللاجئين بوسعة 10 ملاعب كرة القدم تقريباً، لا توجد إحصائيات مؤكدة عن عدد سكان المخيم نرى حشد الناس بقدر ما تستطيع أعيننا.
يقطع الطريق وسط المخيّم. تخلفنا عن السيارات التي كنا نتابعها.نُخرج معلبات من حقائبنا.أتذكّر ما قال أحد مرافقينا أن بعشرة معلبات سيُنقَذ عشرة أشخاص ليوم واحد على الأقل.

(٦)

قد اقترب الشرف الإنساني من حافة الهاوية…
معيارهم لتوزيع المعلبات قاسية: هذه أم، هذا طفل، هذه طفلة صغيرة، هذا عجوز، ذلك من ذوي الإحتياجات الخاصة، هذه تبكي، أطفال ورجال جياع. تصل المعلبات إلى شخص بسبب مُقنع.
نريد أن ننزل من السيارة، يحذرنا الدليل أن المكان خطير. نفد صبرنا! تأتي طفلة إلينا ليلتقط المصور صورة منها، بوجه مسوّد و ملابس ممزقة و شعر الذي لم يلمس الماء منذ مدة طويلة. كانت الطفلة تتكلم بعيونها…
(٧)
يمكننا مشاهدة بيوتهم من مسافات بعيدة، بيت هنا يعني كوخ أو الأحسن أن نقول محاولات بسيطة من جانب إنسان الذي أصيب بالكارثة لإنشاء مكان العيش.
ننزل من السيارة، تصدمنا الصور التي نراها مقابلنا، هنا إنتهى العالم. نمشي بين الناس بصعوبة، أود أن أجلس في زاوية أما نواصل و عندما ننظر إلى أيّ طرف من أطرافنا تبدو الاوضاع أسوأ من قبل.أيّ فاجعة تحدث هنا؟!
رائحة العفن أكثر من قبل. هنالك ملابس ممزقة على الأرض. بعد بضعة دقائق مشياً على الأقدام نذهب إلى مكان و نتكلم مع الناس. الأدلاء هادئون، هم يحضرون إلى المخيم مرّات عديدة و لكن نسمع الحزن في صوتهم و نشاهده في أعينهم…

 

(٨)
عبدالرحمن ، طفل في الثامنة من عمره، يقول قُتِل ثلاثة أشخاص من أسرته في ميانمار و ذُبِحَ واحد من هؤلاء الثلاثة مقابله و حُرِقَ بَيتهم …
“اَمورا” أم شابة بوجه محروق من الشمس، تحتضن طفلا الذي على وشك الموت، تقول أن زوجها قُتل في ميانمار و هم(البوذيين) حرقوا بيتها و مزرعتها.لم يكن عندها طعام أو دواء و استطاعت أن تحصل على كيس صغير من الخبز الجاف…
“اسجد” عجوزة ميانمارية شاحبة اللون و هزيلة.تلمس رقبتها بيدها عدة مرّات  و تشير إلى أن أسرتها قد ذُبحت، يقول المترجم أن زوجها ذُبِحَ في ميانمار و هي انفصلت عن أولادها و لا تعرف مكانهم منذ عشرة أيام. تقول مرة أخرى أنها جائعة ،واضح جداً لم تكن إلا عظاما بسبب الجوع.

(٩)

على مقربة من شاحنة التي توزّع الطعام هناك طفلة عمرها 8_7  سنوات و لها حركات غريبة. لفتت نظري و لا أعرف  لماذا هي متوترة إلى هذا الحدّ. لا ينظر إليها الآخرون. تجري هنا و هناك لمدة خمس دقائق أو ربّما أكثر حتى تستطيع أن تحصل على علبة بالصدفة و تتكلل جهودها بالنجاح!
أنظر إليها، تجري بسرعة و تبتعد عنّا و تقفز على جدول ثم تهدأ سرعتها. تجلس  قرب شجرة بجانب طفل عمره ثلاثة أعوام تقريباً و تجعل الخبز مقابل الطفل. يا لها من ضيافة متواضعة!
نذهب مع الأدلاء بين الناس. لا تزال رائحة العفن منتشرة في المخيم. يُقبِلُ المترجم إليّ و يقول أن قصص اللاجئين متشابهة؛ أصيبوا بالمصيبة ، عُذَّبواو حُرِقَت بيوتهم ، قُتِلَ أقربائهم بأبشع الشكل أو ماتوا في الهرب و ظروف المنقَذين صعبة جداً.

 

 

 

(١٠)
صَدَّقَ!! تكلمتُ مع الآخرين. قصصهم متشابهة و مشتركة في التشرّد و ظروف الحياة العجيبة!!
فرصتنا قصيرة و قد بقيت دقائق حتى غروب الشمس…
آلاف الناس بدون مأوى و إمكانيات بسيطة للحياة… فقداستطاعت بنغلاديش و إيران و تركيا حتى الآن أن تساعد اللاجئين قليلا ولكن المساعدات غير كافية.
قد غُرِبت الشمس،الجو مظلم و المخيّم مُخيف. لا توجد إضاءة غير ضوء سيارات في المخيم التي تتركه الآن.
يُخيّم الصمت في المخيم…بعض اللاجئين كدّسوا ملابس فوق الأرض حتي يُشعلوا النّار. لا اعرف هل الملابس لأموات أم ليست جديرة للإستخدام و لكن قديمة و ممزقة… أشاهد نيران صغيرة هنا و هناك.
نركب السيارة ،كلٌ الركّاب صامتون،لا أحد يعرف ماذا يقول. يفكرون في الكارثة التي شاهدوها، يفكرون بالأبرياء و بجائزة نوبل للسلام و بحقوق الإنسان الوضيعة المنسية.
أبرقت السماء و أرعدت فجأة و لفتت أنظار الجميع… هل سينزل المطر؟!
رطبت زجاجة السيارة بقطرات المطر. ..برقٌ للحظات… إستضاء المخيم به.
يشتدّ المطر و نحن في طريق الذي ينتهي إلى المدينة… ماذا سيفعل المطر باللاجئين الميانماريين؟! …كم طفلا ميتاً سَيُنتَشَل من أطيان المخيم صباح الغد؟! …ماذا سيحدث لإنسان الذي يكافح الجوع و المطر حتى الصباح؟!
نرجع إلى مكان إقامتنا و يُبَثُّ في التلفاز خطاب  آنغ سونغ سوتشي. لا يوجد خبرٌ من مسلمي ميانمار!!!

 

مراسل قناة العالم : محمد معین مقامي