النباء اليقين

فـإنهم يألمون كما تألمون

الهدهد / مقالات

عبدالقوي السباعي

على الرغم من أن دولَ تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الصهيوني، قد فرضت وعلى مدى ستِّ سنوات العدوانَ الفاشي والحربَ القاسية على الشعب اليمني، إلا أنها من تعرضت لأضرارٍ جسيمة وانكساراتٍ متتالية، ودفعت الكثيرَ من التكاليف السياسية والدبلوماسية والعسكرية، من جهة تضررت اقتصاديات هذه الدول بشكلٍ كبير، وتأثرت برامجُهم الإنمائية ومشاريعهم الاستثمارية، حَيثُ تشير تقاريرُ مالية إنفاق حوالي 450 مليار دولار فقط في إطار المجهود الميداني لمسارح العمليات، ناهيك عن إنفاقها للأموال الطائلة المخصصة لشراء الولاءات والمواقف المحلية والإقليمية والدولية لتحسين صورها المشوَّهة أصلاً، وأيضاً لأَنَّ الآلافَ من جنود ومرتزِقة هذا التحالف التأمري قد قُتلوا وجُرحوا في كثير من المواجهات، وعكسوا انطباعاتٍ انهزامية وفوضوية وعشوائية وغير أخلاقية، من جهة أُخرى، ورغم كُـلّ الإمْكَانات والوسائل العسكرية المتطورة والترسانات الحربية الحديثة، إلا أن هذا التحالفَ العسكري الذي بدَأ بـ 17 دولةً ضد اليمن بقيادة السعودية قد فشل تدريجيًّا وانفرط عِقدُه إلى أن تمخَّضَ عن أربع دولٍ لا أكثرَ هي أمريكا والسعودية والإمارات والكيان الصهيوني.

غير أن السعودية ظاهرياً هي التي حملت وِزرَ هذا التحالف، فكان نصيبُها الأكثرَ في تحمل تبعاته وخسارتها هي الأفدح، فمثلاً في العام الماضي فقط دمّـر مجاهدو الجيش واللجان الشعبيّة ما لا يقل عن 20 لواء مشاة وآلية تابعة للسعودية وتحالفها الذي تقوده، ناهيك عن خسائرها في منشئاتها الاقتصادية الحيوية (أرامكو)، وجميعها مثلت ضربةً قاصمة للجيش والاقتصاد السعودي؛ ولذلك، أدركت الرياض فداحة ما أقدمت عليه، وأدركت متأخرة أنها بعد الآن لن تستطيعَ تغييرَ البُنية السياسية والشطرنج الميداني في اليمن لمصلحتها ولن تعودَ اليمنُ حديقتَها الخلفية وإلى الأبد.

بشكلٍ عام، هناك مبدأٌ تاريخي في اليمن، وهو أن أيةَ دولة تغزو اليمن سيرفع جيشُها الرايةَ البيضاء في نهاية المطاف ويستسلم لليمن، وهذا هو الحالُ بالفعل على المسرح اليمني، حَيثُ تمكّن اليمنيون بقيادةٍ حكيمةٍ لمكون أنصار الله وكل الخيِّرين من أبناء الشعب اليمني من تغيير التطورات لمصلحة الإرادَة اليمنية الحرة، من خلال أخذ زمام المبادرة والاعتماد على القوة الأصيلة والتوجّـه الإيماني للشعب اليمني، وهو الأمر الذي سيجعلُ من السعودية اليوم تسعى للخروج من مستنقع المواجهة اليمنية، وأظُنُّها تنتظرُ فقط الإذنَ من أسيادها الجدد في البيت الأبيض؛ لكي تُعلن عن انهزامَها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والسياسية والقرار السيادي لهذا البلد، بعد أن تم استئصالُ مجال نفوذها بشكلٍ كبيرٍ في كُـلّ المناطق الخاضعة لسلطات صنعاء، وفي الوقت نفسه، تم تقليصُ ذلك النفوذ حتى في المناطق الخاضعة لاحتلال تحالفها المزعوم.

على الرغم من تضرُّرِ اليمن (الأرض والإنسان) بشكلٍ خطير، جراء هذا العدوان، واستشهاد الآلاف والتدمير الهائل في كُـلّ مقومات الحياة وبنياتها، وتضرر ملايين اليمنيين من إرهاب العدوان وجَور الحصار، ومستوى الآلام والجراح التي تسبب بها، إلا أن هذه الحرب وهذا العدوان مثّل درساً عظيماً للدول والشعوب الحرة في العالم، والذي أظهر أن إرادَة المقاومة يمكن أن تغير مصير التطورات، فبها تمكّن الشعب اليمني من تغيير المعادلات العسكرية لمصلحته، كما أن السعودية ومن دار في فلك تحالفها ستعاني من العُزلة السياسية الشديدة، كما بدأت إرهاصاته تتشكل على نحو ملحوظ، وأن الهزائم السياسية والعسكرية في سوريا ولبنان والعراق، والآن في اليمن، واغتيال جمال خاشقجي وتصرفات (ابن سلمان وابن زايد) الخيانية في إقامة علاقاتهم مع الصهاينة، كبديل عن العرب والمسلمين، قد تسبَّبت في خروج قادة الرياض وأبوظبي من دائرة البلدان الإسلامية، وعمّا قريب ستتحوَّلُ هذه الدويلات إلى دولٍ معزولةٍ تماماً عن إطارها العربي والإسلامي.