النباء اليقين

كلماتٌ في ربيع النور الإلهي

الهدهد / مقالات

سند الصيادي

كانت البشريةُ تمضي بهرولتها المتصاعدة مع مرور القرون في منحدرات الضياع، وخلالها كان يزداد جدب الفضيلة تشقّقا ووهنا، وَتتمادى الرذيلة تجذّرا وَسطوة، فتبدو الدنى لليائسين وكأنها قد آلت إلى هاوية المنتهى، إلَّا من أفئدة وأرواح قلال تسلحت بما تيسر من حروف الوعد الإلهي المسطور في دهاليز التغييب والتحريف، كانوا والأرض بشجرها وَحجرها وَرملها وَبحارها ينشدون رب السماء أن يعجل بالنور وَالرحمة.

وفيما كانت الأرض بمعانيها المثلى تشيخ وَتحتضر، كان هنالك في هجير الأرض الملتهبة بالشمس والرمال الناعمة إلَّا من بيت مهجور مصادر، مخاض ولادة ليست كبقية الولادات، ومولود يتجاوز فرحة مولده مَنْ حوله إلى كُـلّ أرجاء المعمورة، إلى الماضي السحيق وَالمستقبل البعيد، ولادة تجاوزت زمانها ومكانها لتكون نقطة التقاء الحقب والأماكن وَالنبوءات، وَبدت في الوهلة الأولى وكأنها نقطةُ نور تمدّدت وَتوسعت، وَاستكانت لوميضها الجغرافيا وَساكنوها، ثم تهاوت تحت نورها الممالك والملوك، وَخرّت الأرض ساجدة والسماء، ها قد وُلد محمد وَأطلَّ الصبحُ بعد طول انتظار، وَآن للدجى أن يبدأ بلملمة خيامه بعد طول مقام.

بشارة حملها ملائكة السماء، وَمعها تحولت رياح الرمل المقفر إلى نسائم رفرفت حاملة هذه البشارة إلى كُـلّ دار وَربوة، وَآن للفجر أن يقبل على غير عادته، فجر وضاح وجهه نتاج السر الإلهي المكنون في وجه طفل باسم سيغيّر ذاتَ يوم وَجْهَ هذا العالم البائس.

وكلما كان يكبر هذا الطفل كانت الأرض ترصد وهج النور المشع من حوله على طريق التائهين الباحثين، وَشعلة النار المتأججة من أمامه على جموع المغضوب عليهم وَالضالين، وبين يديه خارطة طريق وَمسيرة خطها الله على لسانه، عزز صاحبها بالمعجزات، ثم ترك للبشرية بعد أن علمت بما قد جاء حرية اتِّخاذ القرار.

غير أن مخالب الشر استنفرت من كُـلِّ جانب، وَعظم عليها أن تصحوَ الفضائل من مرقدها، فارتعدت فرائص الشيطان متقمصة شخوصا وأقواما وقفوا أمام هذا النور نافخين ملء نواجذهم وَأحقادهم؛ بغيةَ إطفائه، وهيهات، يأبى الله إلَّا أن يتمه، وَيظهره على الدين كله، وَلو كره الكارهون.

وأي قرار في مثل هكذا وعد قد يتخذ غير الانحياز إلى السراط الآمن الضامن إذَا توسلنا من الله الهداية، هكذا قال الأوائل من لحمنا ودمنا، اليمانيون الأنصار، قبل أن يهبوا من كُـلّ حدب وصوب نحو مركز النور، فبايعوه وَعزروه ووقروه، وأيدوه، وأصبحوا جُلَّ جنده وكُلَّ ناصريه.

واليوم تتشبع الأرض قبساً من نوره المحمدي، وآل بيته الأمناء على علمه الزاخر، وها هي الأرض تشهد ولادة محمد المعظم كما لو أنه وليد الزمان والمكان، ومن حوله الأنصار يضمّدون جرح العزلة والنكران لخاتم الرسالات وخير الأنام.

فخر وشرف لا يضاهيه شرف، يا نور ورحمة الله أن يكون لنا حيزٌ كَبيرٌ من دعائك وثنائك، كما هو لنا شرف أن نتجرّع عناءَ اتّباعك، وأن نعذب ونقتل وَنجاهد حاملين لواءَك، ويا لفخرنا حين نحيي مولدَك تحت ظروف القصف والدمار والحصار، كما لم يحيه أحدٌ من قبلنا ولا بعدنا.