النباء اليقين

أبعاد ودلالات الوثائق التي كشفت علاقة النظام السابق بالصهيونية

الهدهد / مقالات

منير الشامي

لم أكن أتوقعُ أن تكونَ علاقةُ النظام السابق مع الكيان الصهيوني قد وصلت إلى هذا المستوى إطلاقاً، وكان أبعدَ ما توقعته أن ما حدث بين الكيانَين المجرمَين هو محاولاتُ تواصل عبر وساطات غربية من بعيد إلى بعيد، أما أن تكون قد حدثت زيارات رسمية متبادلة ولقاءات وفود رسمية للصهاينة في قلب العاصمة صنعاء ولقاء للمجرم عفاش برئيس الكيان، فذلك كان في نظري هو المستحيل بعينه، والحقيقة أن ما كشفته تلك الوثائق بلسان الناطق الرسمي ليست مُجَـرّد وقائع عابرة أبداً، ويجب أن نتعامل معها على هذا الأَسَاس؛ لأَنَّها لا تقتصر على مُجَـرّد رصد خطوات إجرام النظام السابق وخيانته وانحطاطه فقط، فدلالاتها تشير إلى خطورة كارثية تتهدّد الأُمَّــة العربية بوجه عام وتعكس مصيبة عظيمة حلّت بالأمة كلِّها، وتحمل في طياتها مؤشرات ضياعها وإمْكَانية زوالها من ظهر الوجود بيد أعدائها إن ظلت تمشي على هذا المسار، وَإذَا كانت الماسونية قد وصلت إلى هذا المستوى مع النظام السابق فلنا أن نتخيّل أيَّ مستوى قد وصلت إليه مع بقية الأنظمة العربية يومنا هذا؟!

وهي في حَــدِّ ذاتها توضّح حالةَ الشعوب العربية الانهزامية المخزية التي وصلت إليها؛ بسَببِ استهداف النظام الصهيوأمريكي لها، ويفسر لماذا نقتل ونشرد ونحاصر أمام عيون شعوبنا العربية للعام السادس دون أن نسمع منهم حتى كلمة إدانة ولا رأينا أبسطَ موقف؛ لأَنَّهم أصبحوا عرباً بلا عروبة ومسلمين بلا إسلام يؤمنون بإسرائيل ولا يعرفون، ويتحَرّكون لخدمتها دون أن يشعرون -أنظمة وشعوباً-، ما يعني ويؤكّـد نجاحَ مؤامرات الماسونية العالمية في تدجينهم، وأن جهودها أثمرت للصهاينة لدرجة أن أصبحوا على قاب قوسين أَو أدنى من حكم العالم.

ومن تلك الوثائق اتّضح لنا أَيْـضاً أن حالنا نحن اليمنيين ما كان ليختلف عن حال الشعوب العربية لولا المشروع القرآني وثمنه الباهض الذي قدمه سيدي ومولاي الشهيد القائد -رضوان الله عليه- بدمائه الزكية وروحه الطاهرة، وجعلتنا أَيْـضاً نقر أنه -رضوان الله عليه- كان حيًّا هو ومن معه في زمن كنا فيه كلنا أمواتاً، وأن مشروعَه هو من بعثنا من موتنا وأعادنا أحياءً من جديد.

وإذا أردنا أن نستوعبَ واقعَ الأمّة الخطير والكارثي والمأساوي الذي وصلت إليه، فما علينا سوى تطبيق قاعدة مشروعه القرآني “عين على الأحداث وعين على القرآن”، ببصيرة وإتقان كما كان يفعل -سلام الله عليه ورضوانه-، بعد أن نربط الأحداث خلال السنوات السابقة ونحدّد الحلقات المفقودة من واقع الوثائق المعلن عنها؛ باعتبَار أن تلك الوثائق تشير وتؤكّـد أن ما حقّقته الماسونية مع أيِّ نظام عربي حتى هذا اليوم يفوق ما بينته تلك الوثائق بعشرات المرات إن لم يكن بالمئات، وهو ما يجعلنا نرى العالمَ من حولنا بحقيقته التي أخبرنا بها الشهيد القائد -رضوان الله عليه-، فدعونا نتأمل وسنرى أن عمل وجهود كُـلِّ أنظمة العالم الغربي ومنظماته وفي مقدمتها أنظمة الاستكبار العالمي في الماضي والحاضر، موجهة لخدمة المشروع الصهيوني ومن أجل تحقيقه، وستستمرُّ على هذا النحو في المستقبل، وسنرى أَيْـضاً شعوب تلك الدول تدعم وتؤيد هذا الاتّجاه ومن أجل اليهود، وأن من يناهض اليهود من تلك الشعوب لا يبلغ سوى 0,01 % من إجماليهم.

وإذا حوّلنا أبصارَنا تجاه الأنظمة العربية، سنجد أن الماسونية أوجدت بعضها وتعمل لصالحها من تاريخ نشوئها، وتمكّنوا من السيطرة على بقيتها خلال العقود الماضية، وربما يكون النظام السابق هو آخر نظام عربي استهدفوه، وأنهم سخروها جميعاً كُـلّ الأنظمة العربية من بداية هذا القرن لخدمة مشروعهم الإجرامي، وهو ما انعكس على الموقف الشعبي العربي تجاه قضية الأُمَّــة بمساره الانحداري من أعلى مستوياته في ثمانينيات القرن الماضي إلى مستوى الاضمحلال والتماهي نهاية العقد الأول من القرن الـ21.

ما يعني ويؤكّـد أن استهدافَ أعداء الأُمَّــة -أنظمة وشعوباً- كان متزامناً من نفس اللحظة، إلا أن استهداف الأنظمة كان أكثر تركيزاً في بداية الأمر؛ كونها (أي الأنظمة) عاملاً من عوامل نجاحهم في استهداف الشعوب، وَإذَا ما انتقلنا إلى تقييم الواقع المعاش اليوم نجد أن الحقيقة الماثلة أمامنا هي أن الماسونية الصهيونية نجحت بامتياز مع مرتبة الشرف في فرض سيطرة غير مباشرة على العالم العربي، وَبدأت بفرض سيطرتها المباشرة مؤخّراً، بدليل سباق العديدِ من الأنظمة على التطبيع العلني مع الصهاينة في تنافس قذر للخضوع لسيطرتهم المباشرة.

وإذا ما جسّدنا القاعدةَ الأَسَاسيةَ للمشروع القرآني على بلادنا وتأملنا في الأحداث من عام 2002م وحتى اليوم، سنرى أن الحروب الست على صعدة كانت حروباً صهيونية على المشروع القرآني نفّذها بأيادي عملائه، وسنكتشف أن المشروع القرآني كان أقوى ضربة للمشروع الصهيوني، وأن تلك الضربة نسفت أهمَّ ركنٍ من أركان مشروع الماسونية على مستوى الشرق الأوسط وليس على مستوى اليمن، وأنه أعاقهم عن إتمام مشروعهم وهم على بعد خطوات من وضع لبناته الأخيرة، وأنَّ أثر ضربة المشروع القرآني للمشروع الصهيوني لم يقتصر على إعاقة الماسونية عن إتمام تمرير مشروعها أَو وقف حركته إيقافاً مؤقتاً فقط، بل إنها أسفرت عن أعاقته إعاقةً دائمةً وجعل الصهيونية عاجزة عن إعادة نفسها إلى وضع التوازن حتى اليوم، ما أَدَّى إلى عجزها عن المواصلة.

وهذا الأمر هو ما دفع الماسونية العالمية إلى تنفيذ مؤامرة العدوان على وطننا من قبل ستة أعوام؛ بهَدفِ القضاء على خطر المشروع القرآني؛ لأَنَّها أدركت من استحالة أن يكون لمشروعها وجود والمشروع القرآني وأنصاره على ظهر الوجود، ما يؤكّـدُ ويثبتُ أن المشروعَ القرآنيَّ هو السلاحُ الوحيدُ والقادرُ على هزيمة مشروع الماسونية في العالم إذَا ما تسلّحت به الأُمَّــة، وأنها لن تستطيع الخروج من مأزقها الذي وقعت فيه إلا إن تمسكت به.