النباء اليقين

العدوان يعود للتصعيد .. وغريفيث يَكيلُ بالباذنجان!

الهدهد / مقالات

الرحمن الاهنومي

يواصل تحالف العدوان الذي يقوده النظام السعودي عدوانه على اليمن منذ الـ 26 من مارس 2015- م ، مخلفا أكثر من 45 ألف شهيد وجريح من المدنيين جلهم نساء وأطفال وشيوخ ، ودمارا هائلا في البنى التحتية والاقتصادية ، فضلا عن تشديده للحصار والتجويع ، متسببا في خلق أسوأ كارثة إنسانية في العالم منذ قرون خلت.

ومنذ مارس 2015/م حتى اليوم لم يرعو التحالف العدواني عن استباحة كل محرم في بلادنا أكان أرضا أو إنسانا ، فيما لم تقف ترسانة السلاح الغربي والأمريكي الفتاك والمحرم عن التدمير والقتل والجرائم ، وبنوازع حقد وإجرام سعودية وهابية متغطرسة ، ومع كل ذلك ظلت اليمن على الدوام حريصة على السلام ، فقدمت في سبيل ذلك المبادرات الميدانية والسياسية ، وفي الوقت نفسه مضت في تأكيد حقها المشروع لمواجهة العدوان ومرتزقته وأذرعه بكل الأشكال والسبل والوسائل الممكنة ، ومن هذا المنطلق تفادى الشعب وتصدى للجحافل والجيوش والمرتزقة مقاتلا بصلابة وعزيمة قل نظيرها معتمدا على الله ومسنودا بتأييده وعونه.

لم تكن مبادرة السلام التاريخية التي أطلقها فخامة الأخ رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي المشاط ليلة الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر الفائت ، إلا تأكيدا لموقف بلادنا الثابت والحريص على السلام ، غير أن ما قابلها من مراوغة سعودية بمحاولة التذاكي الإعلامي ، أثبت بما لا يدع مجالا للشك انعدام الرغبة في السلام لدى قادة التحالف العدواني ، وفضلا عن ذلك وعلى الرغم من المواقف الإيجابية التي أطلقها الرئيس في خطابه المتزامن مع اليوم الوطني للصمود ، تصاعدت الغارات الجوية العنيفة على العاصمة والمحافظات ، فمنذ صباح الخميس السادس والعشرين من مارس وحتى الاثنين 30 مارس بلغت حصيلتها أكثر من 220 غارة جوية ، ما يُعد تصعيدا كاشفا للنوايا والمراوغات التي ظل النظام السعودي يتغطى بها ، والسياق لا يختلف عنه اتفاق الحديدة إذ لم تتوقف الخروقات العدوانية المنتهكة لاتفاق السويد ، وقد بلغت أكثر من 60 ألف خرق جوي وبري وبحري ، وبحصيلة أكثر من خمسة آلاف شهيد ومصاب.

المؤشرات على الأرض تفيد بأن النظام السعودي لم يكن إلا متظاهرا بالتعاطي الإيجابي مع مبادرة الرئيس ، وقد كشف تصعيد الغارات خلال الساعات الماضية أن الرغبة الجادة في سلام شامل منعدمة لديه ، وأنه لا يملك جهوزية معنوية وعملية للشروع في ذلك ، فضلا عن أنه لا يحمل أي نوايا إيجابية لوقف الحرب ، وقد بات من المؤكد أنه لا يبحث إلا عن خفض تصعيد معين يمرر له استحقاقات مرحلية ، ويعفيه من تبعات أخطار داهمة ، وإلا فإن طريق السلام واضح ، ولغة التعبير عنه ليست على قدر كبير من الصعوبة ، على أن المؤسف أيضا هو الأداء المخاتل من قبل المبعوث الأممي مارتن غريفيث ، الذي لم يخف انحيازه المطلق في بيانه الصادر عقب عملية القوات المسلحة ردا على أكثر من 220 غارة جوية شنها طيران التحالف السعودي مع مفتتح العام السادس ، غير أنه لاذ صمتا مطبقا من الغارات العنيفة التي تعرضت لها صنعاء والمحافظات قبل عملية القوات المسلحة وبعدها ، وهو موقف متناقض وكيل بالباذنجان كما يقال ، يخلق شكوكا حول تعاطيه مع دعوة الأمين العام للأمم المتحدة للأطراف بوقف الحرب والتفرغ لمواجهة كورونا.

ولم يكن المبعوث الأممي بحاجة لكل هذه التناقضات والمواقف المختلة باختلال معاييره ، ولم يكن بحاجة إلى تعدد المكاييل لولا فشله وتعثره جراء انحيازاته التي فقد بها الحياد المفترض ، ماضيا في مهمته بأجندات ملتبسة وملتوية وغير واضحة ، وما كان له أن يدسّ رأسه في الرمل – وقت ترحيبه بما وصفها ردودا إيجابية إزاء دعوات الأمين العام لوقف الحرب- وهو يتابع حصيلة الغارات السعودية الإماراتية العنيفة أيام السبت والجمعة والخميس وحتى الأحد والاثنين، والتي طاولت مناطق ومحافظات يمنية مختلفة ، على رغم الالتزامات المفترضة للأمم المتحدة بخفض الأعمال العدائية ، وذلك بهدف التصدي للانتشار المحتمل لفيروس كورونا الذي يجتاح العالم ، وكان من الواجب على المبعوث أن يسمعنا أسفه المعبر عن خيبة الأمل إزاء التصعيد البادئ على رد القوات المسلحة الذي أتى ضمانا لحق مكفول وتقره الشرائع والأعراف.

لقد قدمت اليمن من المبادرات ما تكفي لأن ينطلق منها غريفيث ويكون أرضية صلبة لعملية التفاوض وتحقيق سلام شامل وكامل ، لكنه للأسف مارس الكثير من المغالطات ، والقفز على الواقع ، وعمل على إفراغ السلام من مضمونه الجدي عبر خلق عناوين متشعبة وملتبسة ، في مجملها لا تؤدي إلى وقف الحرب والغارات ، ورفع الحصار المفروض على اليمن وإزالة العوائق أمام واردات الغذاء والدواء ، مكتفيا بالتسويق لما يصفه بـ”خفض التصعيد” ، محاولا بذلك تجزئة الحلول وفق رغبات وأجندات تشطيرية وتقسيمية خطرة ، لن تقود اليمن إلا الى التشظي والدمار.

إن السياق الذي يمضي فيه المبعوث الأممي في بناء عملية السلام ، ومن خلال مواقفه المتناقضة وانحيازاته غير النزيهة ، لا تعكس عملا أمميا حياديا بالمتطلبات الضرورية التي تحقق السلام ونزع فتائل الحرب والصراعات ، بقدر ما تلبي رغبات وطموحات تسعى دول تحالف العدوان مجتمعة ووفق أجندات متعددة ومختلفة ، إلى فرضها في الحل السياسي ، لضمان حصصها لما تراه كعكة يتم تقاسمها ضمن عملية تفاوض معقدة وملغمة بالكثير من المشاريع والأجندات.

عملية السلام واضحة وحددها السيد عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير ، وما لم يعلن -الطرف الذي يشن حربا على اليمن منذ مارس 2015/م ، حتى الآن ويحاصر كل المنافذ البرية والجوية والبحرية – صراحة وقف الحرب وبالصيغ الكلامية المعروفة ، ويباشر رفع الحصار عن الموانئ والمنافذ ، فإننا أمام وهم وسراب ، تجعل من تفاؤلات المبعوث الأممي وتوهماته ، إذا لم تنعكس واقعا في إيقاف الغارات والسماح لسفن الدواء والوقود والغذاء بالتدفق عبر الموانئ، خدعا مكررةً تشبه خدع من سبق ، على أن خيبة المبعوث الأخيرة إزاء عملية القوة الصاروخية التي استهدفت عمق مملكة العدوان السعودي ، وصمته عن ما سبقها من تصعيد عنيف من قبل طيران التحالف السعودي الإماراتي ، تدينه وتعريه وتزيل الغطاء عن تناقضات صارخة في سلوكه السياسي والدبلوماسي ومهمته الأممية.