النباء اليقين

هل هي حرب نفط وغاز جديدة في المنطقة ولبنان؟

عبير بسّام

كُتب الكثير وقدمت العديد من الوثائق حول حرب أنابيب النفط والغاز في سوريا. ولم يعد موقف أمريكا المعادي ومعها الكيان الاسرائيلي والدّول الخليجية مفاجئأً. وبالطبع الموقف لا يتعلق بالجنوح المجنون نحو السّيطرة على الثّروات الهيدروكربونية فقط وإنما على طرق تجارتها أيضاً. وجميع المعطيات تؤكد أن حمّى النّفط والغاز لن يكون لبنان بمنأى عنها، وأنّ الأمريكي ومن معه لن يألوا جهداً لإشعالها.

وبحسب وليام انجداهي في مقال نشره على موقع Global Research في العام 2018، فإنّ دور لبنان قادم، اذ يقول: “إنّ اكتشاف الغاز والنّفط في البحر المتوسط، غير السّياسات الجيولوجية المتوسطية بشكل جذري”. ومردّ ذلك يعود طبعاً إلى أنّ لبنان سيبدأ بالحفر من أجل استخراج نفطه وغازه، مما اقتضى ترسيم الحدود، الذّي تحاول الولايات المتحدة التّدخل في تنفيذ العمل عليه بشكل مباشر وبطريقة تضمن حقوقاً أكبر لـ”إسرائيل” كما حدث لحقل ليفيثيان أو “حوض الشّام”.

تستغل “اسرائيل” الحوض كاملاً وكما تعمل الشّركات الأميركية في حقل أفروديت القبرصي، افتراضيا! مع أنّ الحقلين يقعان ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر، ولكن حقل تمار والذّي للبنان حصة فيه يقدر حجمها بـ 25 تريليون قدم مربع من الغاز، يشكل معضلة للأمريكي، الذّي يريد استغلاله والتحكم بصادراته نحو الصّين وشرق آسيا.

على الموقع السّابق نفسه ومنذ العام 2011، كتب مهدي داريوس نازمرويا، أنّ حرب الغاز ترتبط بشكل مباشر بوجود حوض الشّام المشترك مع سوريا في شرق البحر المتوسط. كما يتعلق الأمر بكون سوريا تملك الطّريق إلى أهم ممرين للنّفط والغاز في العالم، الأول: يصل ما بين تركيا وبحر قزوين من جهة واسرائيل والبحر الأحمر من جهة أخرى؛ والثّاني: يصل ما بين العراق والبحر المتوسط. واستسلام سوريا يعني أن الأميركيين وحلفاءهم سيكونون قادرين على التّحكم بهذين الطريقين. وهذا ما يعني أيضاً أن أحواض الغاز الكبرى في الشّواطئ اللبنانية والسّورية لن تصل إلى الصّين وإنما ستتجه بشكل مباشر إلى أوروبا وفلسطين المحتلة والولايات المتحدة. ولذا فالحوض يعد من أهم أسباب تمركز روسيا في سوريا.

في السّياق ذاته يعد ما كتبه مايكل شوسودفسكي حول هذا الموضوع منذ العام 2006، على الموقع السّابق ذاته، هاما وخطيرا جداً، ولذلك فقد أعيد نشره في العام 2012. اذ يقول إنّ الكيان الاسرائيلي يسعى للسّيطرة أيضاً على نفط بحر قزوين من خلال الخط الشّامي -وهنا يتحدث عن خطوط النفط- وذلك ليس بسبب حاجات استهلاكها فقط وإنما لأهداف استراتيجية واضحة هدفها السّيطرة على تصدير نفط بحر قزوين إلى السّوق الآسيوي عبر البحر الحمر ومرفأ إيلات بالذّات إلى آسيا. هذا مع العلم، أنّ التّصدير عبر خليج إيلات يمر عبر خط أنابيب داخل فلسطين المحتلة وهو ما كان يعرف سابقاً باسم خط التابلاين الإسرائيلي، اذ كان يصل النفط الخام قبل العام 1979 إلى ميناء إيلات من إيران بالباخرة ليتم تصديره إلى أوروبا عبر ميناء عسقلان، أي حتى قيام الثورة الإسلامية في إيران. وتغير حينها اسم الخط ليصبح “خط أنابيب إيلات-عسقلان عبر اسرائيل”، اذ تبين أن “اسرائيل” عبر ربطها بخط أنابيب باكو- تبليسي- جيهان، التّي تنقل النّفط من أذربيجان عبر أراضي جورجيا إلى ميناء جيهان في تركيا، يمكن ربطه بخط إيلات-عسقلان من أجل تصديره إلى آسيا عبر ميناء إيلات على البحر الأحمر.

كما كتب شوسودفسكي وقتها أن الحرب على لبنان في العام 2006، ليست فقط حرب نفط، بل هي حرب مياه أيضاً، اذ كان من المفترض وضمن تعاون تركي- اسرائيلي أن يترافق تمديد أنابيب النّفط مع تمديد أربعة خطوط مياه يتم ضخها من مياه الفرات ودجلة تحت البحر تترافق مع خط أنابيب باكو- تبليسي- جيهان، والتّي كان يجب أن تمرّ تحت الماء عبر الشواطئ السّورية واللبنانية. وهو مشروع أعلنت كل من تركيا و”اسرائيل” عن خطته في نيسان/ ابريل في العام 2006. حيث تفاوضت تركيا مع “اسرائيل” حول بناء مشاريع تصل قيمتها إلى ملايين الدّولارات من أجل نقل الماء والكهرباء والغاز الطّبيعي والبترول إلى الكيان الصّهيوني.

وبحسب شوسودفسكي فإن اتفاق البلدين على مشروع المياه كان: “هدفاً استراتيجياً طويل الأمد لـ”إسرائيل” على حساب سوريا والعراق. كما كان هناك خطة مدعمة باتفاق تعاون عسكري بين تل أبيب وأنقرة”.

وهذا يتناسب مع ما جاء على موقع Lebanon Gas News، نقلاً عن وكالة الأناضول، حول أهمية خط الغاز التّركي- الإسرائيلي والذي تعد تكلفته خمسة مليارات دولارٍ أميركي، وهي أقل بكثير من خط الغاز المزمع مدّه بين قبرص واسرائيل وكلفته 15 مليار دولار أمريكي، حيث نشرت الوكالة التقرير الأوروبي حول استخراج النفط والغاز، والذّي أوضح وجوب مرور هذا الخط عبر لبنان وسوريا. وتابع أن العلاقات الإسرائيلية اللبنانية المتوترة، والحرب السّورية تمنعان تحقيق هذا الأمر. كما يرى الأوروبيون أنّه لا يمكن استخراج الغاز في المنطقة ضمن أجواء أمنية مشحونة ودون الوصول إلى إتفاقيات ما بين جميع الأطراف. ولكن الشّركات الأميركية في هذه الأثناء تقوم بالحفر في الشّواطئ القبرصية والفلسطينية، وتقوم بحراستها القوات الأميركية المستقدمة إلى البحر المتوسط.

يوضح سيريل وايدرشوفين في آب/ أوغسطس الماضي، على موقع Oilprice.com، الموقف الأمريكي والصّهيوني المبيت في المنطقة، وخاصة ما يتعلق منه بقوة حزب الله وإيران ووقوف الحزب إلى جانب الدّولة السّورية. ويرى الكاتب أن كلًّا من الأمريكيين والإسرائيليين لديهم قلق كبير على أمن اسرائيل ومن السّياسات الدّاخلية والدّولية اللبنانية، اذ كان على لبنان أن يتخلى عن تحالفاته الدّينية والتّي فات عليها الزّمن والقيام بتحالفات جديدة. وبالتّالي اذا ما كان لبنان يريد الاستفادة من غازه، فعليه الانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط، وأنه: ” دون الانفتاح على قبرص ومصر، و”اسرائيل”، وإن بشكل غير مباشر، فإن ثروات لبنان الهيدروكربونية ستبقى حلماً”.

وقد كُتب سابقاً، أن هدف عدوان تموز 2006 الإستراتيجي على لبنان كان الوصول إلى دمشق، وإجبار الحكومة السّورية على توقيع اتفاق سلام يشبه اتفاق أيار 1982 في لبنان. ولكن المقاومة في لبنان لم تصمد فقط بل دحرت إسرائيل، وشكلت حالة ردع جديدة بالتّحالف مع محورها.

وعليه فإنّ ما جاء في مقال اولسن غانر، المنشور 3 تشرين الأول/ أوكتوبر2017 على موقع NEO، يعد تكملة لما حدث في سوريا من اضطرابات اذ جاء فيه: أن وضع الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا قبل العام 2015 -أي قبل دخول روسيا- كان جزءاً من حرب الوكالة إلى جانب المجموعات الإرهابية في الحرب على دمشق، اذ حاولت جاهدة فصل العلاقات والتّحالفات ما بين سوريا والعراق من جهة وما بين إيران والعراق من جهة أخرى، وبالتّالي وجب ضرب هذه التّحالفات، وهذا بحسب غانر يفسر النّوايا الأمريكية لشن الحرب على إيران من خلال لبنان، وبالتّالي من خلال ابتداء حرب جديدة بين “اسرائيل” وحزب الله. ويشرح من خلال مقال كتبه الجنرال الألماني في حلف الناتو كلاوس ديتر نويمان، أنّ حرباً ثالثة على لبنان تلوح في الأفق، ويمكن قراءة ذلك من خلال العقوبات التي تفرضها أمريكا على إيران محاولة من خلالها تحجيمها وفرض العقوبات على حزب الله.

وفي هذا الإطار تتضح معالم الضّربات المتتالية التّي تشنها “إسرائيل” على مواقع حزب الله وإيران في سوريا، كمحاولات استفزاز مستمرة من أجل جر المنطقة إلى الحرب الشّاملة أو الاستسلام الشّامل، والهدف أمان “اسرائيل” وبالتّالي السّيطرة من خلالها على النّفط وطرق تصديره نحو العالم. ولكن سياسة ضبط النّفس التّي ما زالت تستمر بها الأطراف المقاومة فوتت على الأمريكيين الدّفع باتجاه هذه الحرب حتى اليوم، اذ إن الهدف الأمريكي من خلال جرّ المنطقة إلى حرب تشغلها يمَكِّنه من الإستمرار بما يمارسه اليوم من السّيطرة ومن سرقة للنّفط علانية في سوريا، ومبطّنة في العراق، ووقحة في العالم وعلى الأغلب لن تصل إلى لبنان.

 

 

العهد