النباء اليقين

ورفعنا لك ذكرك

الهدهد / مقالات

محمد دريب الشريف

 

لا شك أنّ أحد مصاديق هذه الآية الكريمة هو الاحتفال بمولد نبي النور وخاتم الرسالة والرحمة الله المهداة من الله الى عباده.

(ورفعنا لك ذكرك).. لاشك أيضاً أنّه في الدنيا قبل الآخرة، رفعنا لك ذكرك بين الأمم، ولاشك أيضاً أنّه بما يَليق بك وبمقامك وعظيم مكانتك وقداسة هدفك ونور وجودك وفيض عطائك وجزيل جهادك فينا وفي سبيل هداية الناس وحرصك على أنْ يكونوا مؤمنين موحدين هداة مهتدين.

(ورفعنا لك ذكرك).. لاشك أيضاً ولا ريب أنّه بالوسيلة التي تُناسب كل عصر وكل زمان وكل أمةٍ من الأمم والى يوم الدين، وأيُّ وسيلة هي أعظم شرفاً وأكبر فخراً وأكثر أتساعاً وأسرع انتشارا لذكر شخص من الأشخاص من إحياء ذكرى مولده؟!

أيُّ وسيلة هي أبلغ تعبيراً عن الحبِّ والودِّ والإرتباط والعلاقة والإتباع والاقتداء والتأسي والامتثال والانصياع لأمرِ شخصٍ من الأشخاص من إحياء ذكرى مولده؟!

أيُّ وسيلة هي أكثر وأكبر ترسيخاً لقيمِ ومبادئ شخص من الأشخاص أو جهةٍ من الجهات في عقول الناس وواعيتهم ومرتكزاتهم الثقافية والتوعوية من الاحتفال به والإشادة بمواقفه وعطائه وجليل تضحياته؟

أيُّ وسيلة هي أسرع الى القلوب والأفئدة للتعلق بشخص من الأشخاص من تقديمه في يوم يخصص لهُ تُذكر فيه مناقبه وتُحمد لهُ فيه أعماله وتُشكر جهوده ويُرفع فيه اسمه وتَلهج الألسنة بذكرهِ وتُعَمّر الأوقات بترديد أقواله وحفظ وصاياه وإرشاداته.

أيُّ وسيلة أسهل وأبسط لتخليد مناقب ومزايا وآثار ومحامد وفضائل شخص من الأشخاص من إحياء ذكرى مولده والاحتفال بيوم مقدمه على أمتنا التي من الله عليها بقدومه ووجوده بينها؟؟

أيُّ وسيلة هي أعظم تعريفاً وتلقيناً وتوصيفاً وتقديماً وتصريحاً عن فَضْلِ وقداسةِ شخصٍ من الأشخاص من تخليد يومه والاحتفال بذكرى طلعته البهية وشروق شمس ميلاده الأغر؟

أيُّ وسيلة أنْجَدَ وأفْوَدَ لتبيين مكانة وقداسة وعظمة وسمو وعلو ورفعة وجلال وكمال شخص من الأشخاص من إحياء ليلة بزوغ هلاله الذي أزاح الدياجي وغياهب الظلمات عن الأمم والشعوب وأنار لها دروب الهداية ومسالك الرشاد الى يوم يبعثون؟

أيُّ وسيلة وأي طريقة هي أنجح للطالب والراغب والداعي الى التخلق بأخلاق ومكارم ونبل وصفات وكمالات وأقوال وأفعال قدوةٍ من القدوات وعلمٍ من الأعلام من إحياء يوم قدومه الى البشرية هادياً مرشداً معلماً داعياً الى الله بإذنه ووحيه ونوره الذي أضاء به القلوب والدروب وكشف به الهم والغم وخفف به موازين العباد لتنجو يوم لا نجاة فيه الّا لمن كان تحت الراية واللواء المحمدي العظيم؟

أيُّ وسيلة نعبر فيها عن حُبّنا وتعلقنا ومدى اهتمامنا بنبينا وحبيب قلوبنا ومشعل النور في ظلمات صدورنا ومعلمنا وأستاذنا وقدوتنا ومَنْ إليه ومِنه لنا كل خير وبه تخلصنا مِن كل شر وكل سوء ومكروه وخطب فادح وحدث جلل من الاحتفال بمولده المعظم المبجل في السموات قبل الأرض؟

فإيّاكم أيها الزالون المزلون الظانّون بالرسول وآله ظنَّ السوء لسنا مُخطئين ولن يُخطئ الطريق من يقتبس النور من نور النبي الأعظم ومصدر هدايته كتاب الله الكريم.

نحن نعلم ماذا نصنع وماذا نعمل وماذا يتوجب علينا فعله وكيف نُعبّر عن حُبّنا وامتثالنا لنبينا ومودتنا له.

ونحن للعلم !! نحتفل بمحمد رسول الله وليس بمحمد بن سلمان ولا محمد بن زايد ولا بعبدالعزيز آل سعود ولا مؤسس الشيوعية ولا مؤسس الفاشية ولا زعيم الفاتيكانية ولا منظر الصهيونية ولا بشجرة الكرسمس ولا نبتة البقدونس ولا أربعاء الرماد ولا يوم السامري ولا عيد الفصح ولا يوم الصعود ولا نياحة العذراء ولا عيد القديس فالنتاين الذي تحتفلون به تشييداً لذِكْرِ وثني دخل في النصرانية.

نحن نحتفل بمؤسس الفضائل ومنبع الخُلُق ومصدر الإلهام وزعيم المكارم ومنتهى الكمالات ومصباح الفيض وعلم الهداية ونبراس الصدق وباب الخير ومفتاح البركة ومغلاق الشر ومرشد الإنسانية ومنقذ البشرية وهداية الله ورحمته الواسعة المهداة لعباده المؤمنين.

نحن نحتفل لأنَّ : الله جعل لنبيه في قلوبنا ودٌّ، وخَشّع أبصارنا وبصائرنا لجلاله وعظيم هديه ورشاده.

نحن نحتفل لأنَّ : الاحتفال بيوم مولده وقدوم نوره كان في السموات قبل الأرض وفي عالم الذّر قبل عالم الشهود يوم أشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدناً.

نحن نحتفل بذكرى مولد هادٍ كريم ورسولٍ عظيم احتفلت به صُحُفُ إبراهيم وموسى وزبور داوود وإنجيل عسى وبشرت بمقدمه المبارك كل أنبياء ورسل الله، نحن نحتفل لأنَّ الله تعالى يقول: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)، فأجاز لنا أنْ نفرح بفضله ورحمته ومن المؤكد أنّه ليس هنالك مصداق لرحمة الله بعبيده أوضح وأجلى من شخص نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وآله ومقدَمه المُبارك الى وجودنا الذي أضاءه وباركَ ما حوله.. إذ قال عنه: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ۚ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

نحن نحتفل لأنَّ الله يقول: (ورفعنا لك ذكرك)، ونحن نريد أن نكون من الذاكرين له والشاكرين لجهاده والساعين الى وفاده والماضين على دربه والناهجين منهاجه والمتزودين من فضله وفضائله.

نحن نحتفل لأنَّ محمد اًحيٌّ لم يمت فينا ، نشعر به ونلتمس منه ونقرأه ونكتبه وندرسه ونعلمه ونتعلم منه وننقاد له ونحترمه ونقدسه ونجله ونخلده ونجسده ليبقى كما هو حيّ في عقولنا وأقوالنا وأفعالنا ومشاعرنا وقلوبنا ونرسخ اسمه ورسمه وذكره في واعية كبارنا وصغارنا.

نحن نحتفل بمحمد لئلا ننساه.. لأنّه ذِكْر الله وذِكْراه ومن نسيَ ذِكْر الله أنساه اللهُ كل شيء وينتهي به المطاف في أحضان الصهاينة عميلاً جاسوساً خادماً لمشاريعهم ومنفذاً لمؤامراتهم وخططهم.

ولأن لاننساه لأنه وسيلتنا الى الله ومَن نسي وسيلته الى الله أضلّه ونسيه اللهُ ومَن نسيه الله كان من المغرقين في نار جهنم.

نحن نحتفل وحق لنا أن نحتفل لأنَّ احتفالنا به يعني لقاء وبيعة وعهد وذمام وقسم لنمضي ونشق الطريق إليه ونواصل نهجه ونتحمل أعباء الطريق والمسير الى الرضوان والجنان ومجاورته عليه الصلاة والسلام.

نحن نحتفل لأن الاحتفال بمحمد يغيض الكفار ويقض مضاجع الطغاة ويبعث على اليأس والاحباط لدى اليهود ويُسَوّد وجوهَ الأسرائيليين ويملأ قلوبهم بالانكسار والخزي والشعور بالخيبة وفقدان الأمل وضياع الأحلام وانحسار الهمم وفشل المخططات والمؤامرات الهادفة الى فصلنا عن محمد وقطع علاقتنا به وتغييب ذكره الجميل وسيرته العطرة عن أوساط مجتمعاتنا.

نحن نحتفل لأننا نجزم ونعلم علم اليقين أنَّ هذا اليوم هو أسوأ يوم يعيشه اليهود والصهاينة واكثر يوم يُصيب قلوبهم فيه ومنه الرعب والخوف والذل والهوان والشعور بالتعاسة والانتكاسة والهزيمة والقلق والإحساس بالخطر المحدق بكياناتهم القذرة القائمة على كره محمد والنيل من مكانته وبغضه والتقليل من شأنه ودفع الأموال الطائلة لتشويه صورته وسمعته الطاهرة المطهرة.

نحن نحتفل لأنَّه لا يوجد من هو أعظم في نفوسنا من محمد ولا أقدس في حياتنا من محمد ولا أجم محبة في قلوبنا من محمد ولا أكثر ذكراً على السنتنا من محمد ولا أشغل لخواطرنا من ذكرى محمد ولا أبهجَ ولا أفرحَ ولا أسرَّ ولا أشرحَ لصدورنا من محمد وذكر محمد.

نحن نحتفل لأنّنا نُقتل في سبيل محمد ونُحاصَر من أجل محمد ونُحارَب في حب محمد ونُعادَى في طريق محمد وتُشنّ علينا الغارات والحملات وتقصِفنا البارجات والحاملات والطائرات وتُشعَل علينا النيران في البر والبحر في سبيل أن نتخلى عن محمد ونهجه وطريقه وسبيله الأوحد الى عزّةِ أمتنا وفلاحها ورشادها وهدايتها وخلاصها من الذل والهوان التي تعيشه لبعدها عن محمد وعن نهجه القويم.

والخلاصة: أننا نحتفل وسنحتفل بذكر محمد في أشدِّ الظروف وأخطرها واكثرها وجعاً وألما وقسوةً على واقعنا وحياتنا ومهما قِيل وما يُقال وما يُفعل بحقنا لنْ يُوقفنا ولن يثني عزيمتنا عن الاحتفال بمحمد وذكرى مولد نور الله في الأرض ووسيلته اليه.

لأنّنا لا نرى ما هو أخطرَ وأشدَ مُصيبة وفاجعة وحزنا وشقاء وبلاء من عدم الاحتفال بمحمد وفصلنا عنه والحيلولة بيننا وبين هديه ونهجه وصراطه القويم؛ بل مستعدون أن نحتفل ونموت وسنجعل من موتنا احتفالاً ايضاً بذكرى محمد ونبعث مرددين الأهازيج وأناشيد الاحتفال بمحمد ونقدم على الله ليس في ألسنتنا إلا ذكره و الاحتفال بمحمد.

نموت ليحيا محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين.. وتبقى كلمة الله ورسوله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).